الدكتور علي الهنداوي .. الجامعة الأردنية

لا ريب أن مَن تجمعُك به محبةٌ وعلاقة روحية … فإن هناك يدًا قادرةً تقودك إلى حضور جنازته، ووداعه إلى لقاء سعيد بإذن الله تعالى وفضله وكرمه …
كذلك وقع إليّ خبرُ وفاة الشيخ الجليل: عبد القادر الشيخ يوم الخميس 28 من شعبان 1435 الموافق 26 حزيران 2014، بعد زمن من الانقطاع طويل …
كنتُ في مدينة المفرق برفقة والدي حفظه الله تعالى أذانَ الظهر لما علمتُ بخبر الوفاة، فسابقتُ عقارب الساعة إلى مقبرة سحاب لندرك آخر محطة للشيخ في هذه الدنيا…
وإذا بالمشاهد المطوية تُنشر في ذاكرتي مع خطيب السيرة النبوية …
كان أولَ مشهد لقاؤنا الأول سنة 1406 (1986 م) حينما اصطحبني الوالد لإحياء ليلة 27 من شهر رمضان المبارك في منزل الشيخ في منطقة ماركا، فرأيت رجلا انجذب الناس إليه في حديثه العذب وابتسامته الجميلة، وبقيت أصحب والدي في حضور مجلسه من كل أسبوع – الثلاثاء على ما أظن – دهرًا طويلاً، وكان والدي قريبَ الدمعة رقيقَ الفؤاد في مجلس الشيخ، وأنا إذ ذاك طفلٌ أتعجب من بكاء والدي … !! لماذا تبكي يا والدي أمام الناس ؟!
غير أني وعيتُ بعد ذلك السبب، وعيتُ بعضًا من تأثير خُطب الشيخ في السيرة النبوية في مسجد قيادة الدفاع المدني، إذ كان الشيخ مرشدًا في الدفاع المدني، – ولهذا رأيتُ في جنازته أصحاب رتبٍ متقدمة يعلوهم الذهول وتغلبهم العَبرة – .
ثم بعد خروجه من الخدمة في الدفاع المدني حضرنا له خُطَبَه في السيرة النبوية في مسجد (سيدو الكردي) بمنطقة أم أذينة من أول مشاهدها حتى ختامها.
ثم مرة أخرى في مسجد السيدة عائشة بحي عبدون، وكان يُقدّمني إمامًا للصلاة في بعض الأحيان، وكنتُ أحظى لديه بمحبة ومودة .
وأشهد في كل ذلك أنه كان بارعًا في إلقاء السيرة النبوية على مسامع الناس مُفْتَنًّا في التقلب بين مشاهد السيرة والمغازي، يصف لك الصورة والمشهد كأنك حاضرٌ فيه، ولا يزال ينقلك من صورة إلى صورة، ومن مشهد إلى مشهد حتى يكتمل في ذهنك وقلبك ما وقع من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنك حيٌّ مع أصحابه صلى الله عليه! تعيش معهم بوجدانك ومشاعرك!
ولا يزال يلفت نظرك إلى أخلاق الصحابة الكرام وآدابهم مع نبيهم حتى يَقرَّ في قلبك محبتُه صلى الله عليه وسلم والتأدبُ معه ومع أصحابه رضوان الله عليهم.
وطالما كان يردد على منبره أنّا نخطب في السيرة النبوية للتأسّي لا للتسلي.
كنتَ ترى الناس مسمَّرةً في أماكنها من المسجد وهي تنتظر إطلالة الشيخ ذي العمامة الخضراء والوجه الحسن والمشية المتأنية، مع أذان الجمعة يشقُّ الصفوف إلى المنبر، فكأنما على رؤوسهم الطير حتى ينزل من خطبته، ثم يَنْثال الناسُ إلى باب المسجد لشراء (الكاسيت) الأشرطة المسجَّلة في الأسبوع السابق لتكون لهم زادَ الطريق حتى جمعة الأسبوع التالي.
اجتمع للشيخ أسباب عدة للتأثير في الناس: في مقدمتها أن مادة خطبه ودروسه هي السيرة النبوية والشمائل المحمدية، وهي مادة ثرّةٌ تأثيرُها يفيض من أحداثها، وإلقاءُ الشيخ خُطبتَه من حفظه مع نبرةٍ خطابية جزلة، وإطلالة بهية، بزي العلماء المَهيب.
رحمك الله أبا حازم رحمةً واسعة، وجزاك عن سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم خير الجزاء وأكرمه وأبره … وعوّض أهلك والمسلمين في مصابهم خيرًا …

وكتبه وفاءً للشيخ الفقيد : علي الهنداوي
الدكتور علي الهنداوي .. الجامعة الأردنية